فصل: بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ: (حكم إحْدَاثُ بِيعَةٍ أوْ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ):

(وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» وَالْمُرَادُ إحْدَاثُهَا (وَإِنْ انْهَدَمَتْ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا) لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا، وَلَمَّا أَقَرَّهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى، وَهَذَا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الشَّعَائِرُ، فَلَا تَعَارُضَ بِإِظْهَارِ مَا تُخَالِفُهَا، وَقِيلَ: فِي دِيَارِنَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرَى أَيْضًا لِأَنَّ فِيهَا بَعْضَ الشَّعَائِرِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ.
وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ».
الشرح:
فصلٌ: الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا كَنِيسَةَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا بُنْيَانَ كَنِيسَةٍ»، وَضَعَّفَهُ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي تَوْبَةُ بْنُ النَّمِرِ الْحَضْرَمِيُّ قَاضِي مِصْرَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا كَنِيسَةَ»، انْتَهَى.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا كَنِيسَةَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا خِصَاءَ، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ سُفْيَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَامِعٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ أَبِي الْمَهْدِيِّ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُبْنَى مَا خَرِبَ مِنْهَا»، انْتَهَى.
وَمِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَأَعَلَّهُ تَبَعًا لِابْنِ عَدِيٍّ بِسَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَفِيهِ مِنْ الضُّعَفَاءِ غَيْرُ سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَامِعٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَطَّارُ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِصَدُوقٍ، وَامْتَنَعَ أَبُو حَاتِمٍ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَيْضًا ضَعِيفٌ، بَلْ مَتْرُوكٌ، حَكَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ كَانَ يُكَذِّبُهُ، فَلَعَلَّ الْعِلَّةَ فِيهِ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، وَاَللَّهُ، أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَأَبُو الْمَهْدِيِّ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، لَكِنَّ حَدِيثَهُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ».
قُلْت: رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْتَمِعُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ قَالَ: بِأَرْضِ الْحِجَازِ دِينَانِ، وَرَوَاهُ فِي الزَّكَاةِ، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ عُمَرُ لِلْيَهُودِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَأْتِ بِهِ، وَإِلَّا فَإِنِّي مُجْلِيكُمْ، قَالَ: فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ آخِرَ مَا عَهِدَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَفَحَصَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ، وَأَجْلَى يَهُودَ نَجْرَانَ، وَفَدَكَ»، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: «كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ»، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ، وَأَسْنَدَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ الْوَادِي إلَى أَقْصَى الْيَمَنِ، إلَى تُخُومِ الْعِرَاقِ، إلَى الْبَحْرِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ مَالِكٌ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ نَفْسُهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا الْحِجَازُ، وَالْيَمَنُ وَالْيَمَامَةُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ مُلْكُ فَارِسَ، وَالرُّومِ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: هِيَ مَكَّةُ، وَالْمَدِينَةُ: وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ مِنْ أَقْصَى عَدَنَ أَبْيَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ، فَمِنْ جُدَّةَ، وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ، وَسُمِّيَتْ الْجَزِيرَةُ جَزِيرَةً لِانْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْ مَوْضِعِهَا، وَالْجَزْرُ هُوَ الْقَطْعُ، لِأَنَّهَا جَزَرَتْ عَنْهَا الْمِيَاهُ الَّتِي حَوَالَيْهَا، كَبَحْرِ الْبَصْرَةِ، وَعُمَانَ، وَعَدَنَ، وَالْفُرَاتِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ حَوَالَيْهَا بَحْرُ الْحَبَشِ، وَبَحْرُ فَارِسَ، وَدِجْلَةُ، وَالْفُرَاتُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسَ، وَبَحْرَ السَّوَادِ أَحَاطَ بِجَانِبَيْهَا يَعْنِي الْجَنُوبِيَّ وَأَحَاطَ بِالْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ دِجْلَةُ، وَالْفُرَاتُ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِزْيَةِ، وَمُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْوَصَايَا كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، قَالَ: ائْتُونِي أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدِي، فَتَنَازَعُوا، وَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ، فَقَالَ: دَعُونِي أُوصِيكُمْ بِثَلَاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، قَالَ: وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالتَّمَيُّزِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَسُرُوجِهِمْ وَقَلَانِسِهِمْ، فَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِالسِّلَاحِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِإِظْهَارِ الْكُسْتِيجَاتِ وَالرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ الَّتِي هِيَ كَهَيْئَةِ الْأَكُفِّ) وَإِنَّمَا يُؤْخَذُونَ بِذَلِكَ إظْهَارًا لِلصِّغَارِ عَلَيْهِمْ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُكَرَّمُ وَالذِّمِّيُّ يُهَانُ، وَلَا يُبْتَدَأُ بِالسَّلَامِ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَامَةٌ مُمَيِّزَةٌ فَلَعَلَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالْعَلَامَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ خَيْطًا غَلِيظًا مِنْ الصُّوفِ يَشُدُّهُ عَلَى وَسَطِهِ دُونَ الزُّنَّارِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ فَإِنَّهُ جَفَاءٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الطُّرُقَاتِ وَالْحَمَّامَاتِ، وَيُجْعَلُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ.
قَالُوا: الْأَحَقُّ أَنْ لَا يُتْرَكُوا أَنْ يَرْكَبُوا إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا رَكِبُوا لِلضَّرُورَةِ فَلْيَنْزِلُوا فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَزِمَتْ الضَّرُورَةُ اتَّخَذُوا سُرُوجًا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَيُمْنَعُونَ مِنْ لِبَاسٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ.
(وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ) لِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يُنْتَهَى بِهَا الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ لَا أَدَاؤُهَا، وَالِالْتِزَامُ بَاقٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَبُّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَكُونُ نَقْضًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا يُنْقَضُ إيمَانُهُ فَكَذَا يُنْقَضُ أَمَانُهُ إذْ عَقْدُ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنْهُ.
وَلَنَا أَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُفْرٌ مِنْهُ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ.
قَالَ: (وَلَا يُنْقَضُ الْعَهْدُ إلَّا أَنْ يَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَنَا) لِأَنَّهُمْ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُعَرَّى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ.
(وَإِذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ) مَعْنَاهُ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ، وَكَذَا فِي حُكْمِ مَا حَمَلَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أُسِرَ يُسْتَرَقُّ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.فصلٌ: (نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ):

(وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ) لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ وَالصَّدَقَةُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسْوَانِ.
وَلَنَا أَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالصُّلْحِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ مِثْلِهِ عَلَيْهَا، وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِزْيَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهَا (وَيُوضَعُ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ الْخَرَاجُ) أَيْ الْجِزْيَةُ (وَخَرَاجُ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ مَوْلَى الْقُرَشِيِّ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ يُلْحَقُ بِهِ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ.
وَلَنَا: أَنَّ هَذَا تَخْفِيفٌ وَالْمَوْلَى لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ وَلِهَذَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ، إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ الْمَوْلَى بِالْهَاشِمِيِّ فِي حَقِّهِ وَلَا يَلْزَمُ مَوْلَى الْغَنِيِّ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِأَنَّ الْغَنِيَّ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا الْغَنِيَّ مَانِعٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، أَمَّا الْهَاشِمِيُّ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِهَذِهِ الصِّلَةِ أَصْلًا لِأَنَّهُ صِينَ لِشَرَفِهِ وَكَرَامَتِهِ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ فَأُلْحِقَ بِهِ مَوْلَاهُ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْخَيْلِ قَوْلُهُ: قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ جِزْيَةٌ، فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، تَقَدَّمَ أَيْضًا فِيهِ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ، وَمَنْ لَا يَجُوزُ.
قَالَ: (وَمَا جَبَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَمِنْ أَمْوَالِ بَنِي تَغْلِبَ وَمَا أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى الْإِمَامِ وَالْجِزْيَةِ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ إلَّا الْجُسُورَ وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِمْ وَيُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ وَصَلَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ، وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ فَلَا يَتَفَرَّغُونَ لِلْقِتَالِ.
(وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ صِلَةٍ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ وَلِهَذَا سُمِّيَ عَطَاءً فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَأَهْلُ الْعَطَاءِ فِي زَمَانِنَا مِثْلُ الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ:

قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ كُشِفَتْ عَنْهُ) لِأَنَّهُ عَسَاهُ اعْتَرَتْهُ شُبْهَةٌ فَتُزَاحُ وَفِيهِ دَفْعُ شَرِّهِ بِأَحْسَنِ الْأَمْرَيْنِ إلَّا أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ بَلَغَتْهُ.
قَالَ: (وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْمُرْتَدُّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، فَإِنْ أَبَى قُتِلَ) وَتَأْوِيلُ الْأَوَّلِ يُسْتَمْهَلُ فَيُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طَلَبَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ التَّأَمُّلُ فَقَدَّرْنَاهَا بِالثَّلَاثَةِ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الْإِمْهَالِ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَيُقْتَلُ لِلْحَالِ مِنْ غَيْرِ اسْتِمْهَالٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ.
وَكَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
الشرح:
بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ: «عَلِيًّا أُتِيَ بِزَنَادِقَةٍ، فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، انْتَهَى.
وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَرَوَاهُ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا بِدُونِ الْقِصَّةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدٍ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ، وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ.
قَالَ: (فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ كُرِهَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) وَمَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ هَاهُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ، وَانْتِفَاءُ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
(وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْتَلُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تُقْتَلُ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ رِدَّةَ الرَّجُلِ مُبِيحَةٌ لِلْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ مُغَلَّظَةٌ فَتُنَاطُ بِهَا عُقُوبَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ تُشَارِكُهَا فِيهَا فَتُشَارِكُهَا فِي مُوجِبِهَا.
وَلَنَا: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ»، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَأْخِيرُ الْأَجْزِيَةِ إلَى دَارِ الْآخِرَةِ إذْ تَعْجِيلُهَا يُخِلُّ بِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ، وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْهُ دَفْعًا لِشَرٍّ نَاجِزٍ، وَهُوَ الْحِرَابُ وَلَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْبِنْيَةِ بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَصَارَتْ الْمُرْتَدَّةُ كَالْأَصْلِيَّةِ.
قَالَ: (وَلَكِنْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) لِأَنَّهَا امْتَنَعَتْ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ، فَتُجْبَرُ عَلَى إيفَائِهِ بِالْحَبْسِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ».
قُلْت: تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْحُدُودِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْجَزَرِيِّ ثَنَا عَفَّانَ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ إذَا ارْتَدَّتْ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا كَذَّابٌ، يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى عَفَّانَ، وَغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا هُرْمُزُ بْنُ مُعَلَّى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْفَزَارِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: أَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ، فَإِنْ تَابَ، فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا فَإِنْ تَابَتْ، فَاقْبَلْ مِنْهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَاسْتَتِبْهَا» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي عَمْرٍو الْأَسَدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتْ فَلَمْ يَقْتُلْهَا»، انْتَهَى.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَرْوِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ غَيْرُ حَفْصٍ، وَضُعِّفَ حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. انْتَهَى.
قَالَ أَبُو الْفَتْحِ.
الْيَعْمُرِيُّ فِي سِيرَتِهِ عُيُونُ الْأَثَرِ: حَدِيثُ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وَحَدِيثُ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» عَامَّانِ مُتَعَارِضَانِ، وَكُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يَخُصُّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ بِالْآخَرِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، فِيهِ مَعَ الْعُمُومِ قُوَّةٌ أُخْرَى، وَهِيَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالرِّدَّةِ وَالتَّبْدِيلِ. انْتَهَى.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: وَلَمْ يُصِبْ مَنْ قَاسَ الْمُرْتَدَّةَ عَلَى نِسَاءِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُسْتَرَقُّ، وَلَا تُسْبَى كَمَا تُسْبَى نِسَاءُ الْحَرْبِ، فَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ نِسَاءِ الْحَرْبِ، لِيَكُنّ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَوَكِيعٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: النِّسَاءُ لَا يُقْتَلْنَ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ، وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَوَاخِرِ الْقِصَاصِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمٍ، فَلْيُحَرَّرْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يَعِيبُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثًا كَانَ يَرْوِيهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، انْتَهَى.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ بِهِ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَرَ فِي أُمِّ وَلَدٍ تَنَصَّرَتْ، أَنْ تُبَاعَ فِي أَرْضٍ ذَاتِ مُؤْنَةٍ عَلَيْهَا، وَلَا تُبَاعُ فِي أَهْلِ دِينِهَا، فَبِيعَتْ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِهَا. انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْمُرْتَدَّةُ تُسْتَتَابُ وَلَا تُقْتَلُ، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَخِلَاسٌ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضُوا عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ، فَعُرِضَ عَلَيْهَا فَأَبَتْ، أَنْ تُسْلِمَ، فَقُتِلَتْ»، انْتَهَى.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُذَيْنَةَ جَرَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ: مَتْرُوكٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُطَارِدِ بْنِ أُذَيْنَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَتْ، وَإِلَّا قُتِلَتْ»، انْتَهَى.
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا، قَالَ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ فِيهِ: يَضَعُ الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرِ بْنِ بَكَّارَ السَّعْدِيِّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَرْوَانَ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ رَجَعَتْ، وَإِلَّا قُتِلَتْ»، انْتَهَى.
وَمَعْمَرُ بْنُ بَكَّارَ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ، قَالَهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُلْحَقٌ بِالْأَوَّلِ.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتَلَ أُمَّ قِرْفَةَ الْفَزَارِيَّةَ فِي رِدَّتِهَا قِتْلَةَ مُثْلَةٍ، شَدَّ رِجْلَيْهَا بِفَرَسَيْنِ، ثُمَّ صَاحَ بِهِمَا، فَشَقَّاهَا، لَكِنْ قِيلَ: إنَّ سَعِيدًا هَذَا لَمْ يُدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ، فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا.
(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْإِسْلَامِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا) أَمَّا الْجَبْرُ فَلِمَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ الْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَيُرْوَى: تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ.
قَالَ: (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ أَمْوَالِهِ بِرِدَّتِهِ زَوَالًا مُرَاعًى، فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ إلَى حَالِهَا قَالُوا: هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ فَإِلَى أَنْ يُقْتِلَ يَبْقَى مِلْكُهُ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ، وَلَهُ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا، حَتَّى يُقْتَلَ وَلَا قَتْلَ إلَّا بِالْحِرَابِ وَهَذَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ مَدْعُوٌّ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ وَيُرْجَى عَوْدُهُ إلَيْهِ فَتَوَقَّفْنَا فِي أَمْرِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ الْعَارِضُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَحُكِمَ بِلِحَاقِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَيَعْمَلُ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَزَالَ مِلْكُهُ.
قَالَ: (وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ انْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْئًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: كِلَاهُمَا لِوَرَثَتِهِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: كِلَاهُمَا فَيْءٌ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، ثُمَّ هُوَ مَالٌ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَيَكُونُ فَيْئًا، وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَسْتَنِدُ إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ إذْ الرِّدَّةُ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ قَبْلَهَا، وَمِنْ شَرْطِهِ وُجُودُهُ ثُمَّ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ حَالَةَ الرِّدَّةِ وَبَقِيَ وَارِثًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتِبَارًا لِلِاسْتِنَادِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الرِّدَّةِ وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْحَادِثِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْحَادِثِ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَارًّا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الرِّدَّةِ وَالْمُرْتَدَّةُ كَسْبُهَا لِوَرَثَتِهَا لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدُ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا بِالرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ.
قَالَ: (وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلِحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَحَلَّتْ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ، وَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَبْقَى مَالُهُ مَوْقُوفًا كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ نَوْعُ غَيْبَةٍ فَأَشْبَهَ الْغَيْبَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَلَنَا أَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لِحَاقُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ مَوْتُهُ ثَبَتَتْ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهَا كَمَا فِي الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ ثُمَّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ لِحَاقِهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ اللِّحَاقَ هُوَ السَّبَبُ وَالْقَضَاءُ لِتَقَرُّرِهِ بِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقْتُ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَوْتًا بِالْقَضَاءِ، وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (وَتُقْضَى الدُّيُونُ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ، وَمَا لَزِمَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مِنْ الدُّيُونِ يُقْضَى مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ، وَعَنْهُ عَلَى عَكْسِهِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالسَّبَبَيْنِ مُخْتَلِفٌ وَحُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الدَّيْنُ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ الْمُكْتَسَبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ، وَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ مِلْكُهُ حَتَّى يَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهِ، وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمُوَرِّثِ فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ، أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْهُ كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَجْهُ الثَّالِثِ: أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ، فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ، فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْ الْكَسْبَيْنِ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ حَتَّى يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ مَا صَنَعَ فِي الْوَجْهَيْنِ، اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَقْسَامٍ: نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ: كَالِاسْتِيلَادِ، وَالطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَتَمَامِ الْوِلَايَةِ، وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ: كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ، وَمَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ: كَالْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ، وَمُخْتَلَفٌ فِي تَوَقُّفِهِ: وَهُوَ مَا عَدَدْنَاهُ لَهُمَا أَنَّ الصِّحَّةَ تَعْتَمِدُ الْأَهْلِيَّةَ وَالنَّفَاذُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا وَكَذَا الْمِلْكُ لِقِيَامِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلِهَذَا لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ امْرَأَةٍ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ، وَلَوْ مَاتَ وَلَدُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا يَرِثُهُ فَيَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ إذْ الشُّبْهَةُ تُزَاحُ فَلَا يُقْتَلُ وَيُصَارُ كَالْمُرْتَدَّةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ.
لِأَنَّ مَنْ انْتَحَلَ إلَى نِحْلَةٍ لَا سِيَّمَا مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ عَلَيْهِ قَلَّمَا يَتْرُكُهُ فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ وَتَوَقُّفُ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءٌ عَلَيْهِ وَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ، فَيُؤْخَذُ وَيُقْهَرُ، وَتَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ لِتَوَقُّفِ حَالِهِ فَكَذَا الْمُرْتَدُّ وَاسْتِحْقَاقُهُ الْقَتْلَ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ، فَأَوْجَبَ خَلَلًا فِي الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الزَّانِي وَقَاتِلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي ذَلِكَ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَرْبِيَّةً وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ.
(فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ، وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ وَبِخِلَافِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ صَحَّ بِدَلِيلِ مُصَحِّحٍ فَلَا يُنْقَضُ، وَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا لِمَا ذَكَرْنَا.
(وَإِذَا وَطِئَ الْمُرْتَدُّ جَارِيَةً نَصْرَانِيَّةً كَانَتْ لَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ ارْتَدَّ فَادَّعَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَهُوَ ابْنُهُ وَلَا يَرِثُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُسْلِمَةً وَرِثَهُ الِابْنُ إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا قُلْنَا وَأَمَّا الْإِرْثُ فَلِأَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَالْوَلَدُ تَبَعٌ لَهُ لِقُرْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ لِلْجَبْرِ عَلَيْهِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهَا لِأَنَّهَا خَيْرُهُمَا دِينًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ.
(وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ فَيْءٌ فَإِنْ لَحِقَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَخَذَ مَالًا وَأَلْحَقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَوَجَدَتْهُ الْوَرَثَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَالٌ لَمْ يَجْرِ فِيهِ الْإِرْثُ وَالثَّانِيَ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ فَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا.
(وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ عَبْدٌ، فَقُضِيَ بِهِ لِابْنِهِ وَكَاتَبَهُ الِابْنُ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ) لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ لِنُفُوذِهَا بِدَلِيلِ مَنْفِذٍ فَجَعَلْنَا الْوَارِثَ الَّذِي هُوَ خَلْفَهُ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ.
(وَإِذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَالدِّيَةُ فِي مَالٍ اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: الدِّيَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا) لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ لِانْعِدَامِ النُّصْرَةِ، فَتَكُونُ فِي مَالِهِ، وَعِنْدَهُمَا الْكَسْبَانِ جَمِيعًا مَالُهُ: لِنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مَالُهُ الْمُكْتَسَبُ فِي الْإِسْلَامِ: لِنَفَاذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ دُونَ الْمَكْسُوبِ فِي الرِّدَّةِ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ وَلِهَذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِيرَاثًا عَنْهُ وَالثَّانِي فَيْئًا عِنْدَهُ.
(وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِلْوَرَثَةِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ، فَأُهْدِرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِهْدَارَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ أَمَّا الْمُعْتَبَرُ فَقَدْ يُهْدَرُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ مَا إذَا لَحِقَ وَمَعْنَاهُ إذَا قُضِيَ بِلِحَاقِهِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا، وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ، وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: فِي جَمِيعِ ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا يَنْقَلِبُ بِالْإِسْلَامِ إلَى الضَّمَانِ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ، وَلَهُمَا: أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ وَتَمَّتْ فِيهِ فَيَجِبُ ضَمَانُ النَّفْسِ كَمَا إذَا لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِقِيَامِ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَفِي حَالِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَحَالَةِ الْبَقَاءِ بِمَعْزِلٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَصَارَ كَقِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْيَمِينِ.
(وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاكْتَسَبَ مَالًا فَأُخِذَ بِمَالِهِ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَقُتِلَ فَإِنَّهُ يُوَفِّي مَوْلَاهُ مُكَاتَبَتَهُ وَمَا بَقِيَ فَلِوَرَثَتِهِ) وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِهِمَا لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ، وَالْكِتَابَةُ لَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ فَكَذَا أَكْسَابُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ بِالْأَقْوَى وَهُوَ الرِّقُّ فَكَذَا بِالْأَدْنَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
(وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ، فَحَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُجْبَرُ وَلَدُ الْوَلَدِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنَّهُ يُجْبَرُ تَبَعًا لِلْجَدِّ وَأَصْلُهُ: التَّبَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهِيَ رَابِعَةُ أَرْبَعِ مَسَائِلَ كُلَّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَالثَّالِثَةُ جَرُّ الْوَلَاءِ وَالْأُخْرَى الْوَصِيَّةُ بِالْقَرَابَةِ.
قَالَ: (وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ ارْتِدَادٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ، وَإِسْلَامُهُ إسْلَامُ مَنْ لَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا كَافِرَيْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إسْلَامُهُ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ وَارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ، لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِيهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامًا تَشُوبُهَا الْمَضَرَّةُ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهُ.
وَلَنَا فِيهِ: «أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْلَمَ فِي صِبَاهُ وَصَحَّحَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إسْلَامَهُ» وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ مَعَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَنْ طَوْعٍ دَلِيلٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْحَقَائِقُ لَا تُرَدُّ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ وَنَجَاةٌ عَقْبَاوِيَّةٌ وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَنَافِعِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ ثُمَّ يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا يُبَالَى بِشَوْبِهِ، وَلَهُمْ فِي الرِّدَّةِ: أَنَّهَا مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَعْلَى الْمَنَافِعِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيهَا أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقِيقَةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لَهُ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالْعُقُوبَاتُ مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصِّبْيَانِ مَرْحَمَةً عَلَيْهِمْ، وَهَذَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ، وَمَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ الصِّبْيَانِ لَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرِ الْعَقِيدَةِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ: «أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْلَمَ فِي صِبَاهُ، وَصَحَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إسْلَامَهُ»، وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ.
قُلْت: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي إسْلَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفَضَائِلِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ عَلِيًّا أَسْلَمَ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ عُمْرُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ الرَّايَةَ إلَى عَلِيٍّ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً»، انْتَهَى.
وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَلَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، بَلْ نَصٌّ فِي أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَفِيفٍ عَنْ جَدِّهِ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «كُنْت امْرَأً تَاجِرًا، وَكُنْت صَدِيقًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَدِمْتُ لِتِجَارَةٍ، فَنَزَلْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بِمِنًى، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَنَظَرَ إلَى الشَّمْسِ حِينَ مَالَتْ، فَقَامَ يُصَلِّي، ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَةٌ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، ثُمَّ جَاءَ غُلَامٌ قَدْ رَاهَقَ الْحُلُمَ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقُلْت: لِلْعَبَّاسِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ ابْنُ أَخِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى أَمْرِهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهَذَا الْغُلَامُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: عَفِيفٌ فَلَوَدِدْت أَنِّي أَسْلَمْت يَوْمَئِذٍ، فَيَكُونُ لِي رُبْعُ الْإِسْلَامِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ عَلِيٍّ: أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلِيًّا إلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ، وَيُقَالُ: دُونَ التِّسْعِ، وَلَمْ يَعْبُدْ وَثَنًا قَطُّ لِصِغَرِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا، أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ: وَاسْتِقْرَاءُ الْحَالِ يُبْطِلُ رِوَايَةَ الْخَمْسَةَ عَشْرَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْبَعْثِ ثَمَانِي سِنِينَ فَقَدْ عَاشَ بَعْدُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَبَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ، فَهَذِهِ مُقَارِبَةُ السِّتِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مِقْدَارِ عُمْرِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُتِلَ عَلِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، قَالَ: فَمَتَى قُلْنَا: إنَّهُ كَانَ لَهُ يَوْمَ إسْلَامِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ صَارَ عُمْرُهُ ثَمَانِيًا وَسِتِّينَ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِ الصَّبِيِّ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ، وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ، يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى ابْنِ صَيَّادٍ، وَهُوَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، وَمَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ صِحَّةُ إسْلَامِ ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ، فَقَالَ: إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ جَازَ إسْلَامُهُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ»، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ اُنْتُظِرَ بِهِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا قُتِلَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِوَفْدٍ قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ بَنِي ثَوْرٍ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، أَخَذْنَا رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، فَقَدَّمْنَاهُ، فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَقَالَ: هَلْ أَدْخَلْتُمُوهُ جَوْفَ بَيْتٍ، فَأَلْقَيْتُمْ إلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، أَوْ يُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ؟ اللَّهُمَّ لَمْ أَشْهَدْ، وَلَمْ آمُرْ، وَلَمْ أَرْضَ، إذَا بَلَغَنِي، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ فِي الْأَقْضِيَةِ، قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي بِهِ، فَذَكَرَهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ التَّوْقِيتَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْمُغَرِّبَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ، وَأَصْلُهُ الْبُعْدُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: شَأْوٌ مُغَرِّبٌ، وَدَارُ فُلَانٍ غَرْبَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز، قَالَ: يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا قُتِلَ، انْتَهَى.